الأحد، 22 سبتمبر 2013

اللبنانيون والغيبوبة / جريدة البلد اللبنانية /23.09.2013


اللبنانيون والغيبوبة

ليس غريبا أن ينشغل اللبنانيون عن مصالحهم واحتياجاتهم في ما يجري في سوريا من أحداث وفي انتظار الآتي. فوحدة التاريخ والجغرافيا وتقاطع المصالح السياسية يبرر هذا الإهتمام بل يفرضه أحيانا.إلا أن المستغرب هو أن يغيب عن عين الجميع، حكومة وشعبا وقوى سياسية بأن البلد من دون موازنة منذ سنوات، ومن دون حكومة منذ أشهر، ومجلس نوابه ممد له خلاف للطبيعة، ناهيك عن الشواغر في الوزارات والادارات المختلفة.  السياحة هربت و ساحت بعيدا، حتى أهل البلد لم يعودا اليه خوفا على أمنهم وسلامتهم وأرزاقهم. أن يغيب عن عين اللبنانيين كشعب، كل هذه المصائب لهي المصيبة الاكبر، أما الأدهى والأمرّ فهي أن  تكون كل تلك المصائب حاضرة في وعي وأذهان اللبنانيين ، دون أن تصدر عنهم أي ردة فعل تذكر.

إن حال الغيبوبة التي يعيشها الشعب اللبناني إزاء مصالحه وقوته اليومي وحتى إزاء كرامته تعود إلى أحد أمرين: فإما أن يكون الواقع الذي نعيش قد غلب كل تراثنا القديم وأصبح واقعا مألوفا دون أي تململ أو استنكار ونكون بالتالي قد أدمنّا على هذا الواقع ونستمتع بنشوته دون وعي، وإما أن يكون قد بلغت القوى والأحزاب السياسية من القوة مبلغا جعلها تتحكم حتى بردود الفعل وحتى  العفوية منها التي يجب أن تتحرك عند جوعنا أو عند خوفنا .

إن حالة الإنقسام السياسي الحاد وما استتبعته من انقسام مذهبي جعلت المواطن اللبناني ينأى بنفسه عن نفسه وعن كل متطلباته وأزماته الحياتية اليومية ليتقوقع في ذاته المذهبية الجديدة المشحونة بالكيد السياسي وغيره، وينشغل في مراقبة التوازنات الخارجية التي من شانها أن تحقق له - كما صور له حزبه – انتصارا على غريمه اللبناني الآخر وبالتالي فإن بقاءه مؤكد ومصالحه تصبح مضمونة. إنها حالة من غسيل الدماغ السلبي ، صادرت من المواطن اللبناني احساسه بلبنانيته ثم بفرديته المتميزة لتجعله مجرد رقم في حلبة صراع الأعداد بين أكثريات وأقليات. لقد أدى غسيل الدماغ هذا الى نشوء قومية جديدة لكل فئة من اللبنانيين هي المذهب ،على حساب القومية الأم ، وباتت المذاهب هي مقياس التوازنات وتوزيع السلطة ومكتسباتها حتى داخل مؤسسات الدولة التي اصبحت مكاتب خدمات واستقطاب لأرباب السياسة اللبنانية الحداث.

البحث في الحل وعنه هو أولى الواجبات ، وإن بقي بحثا نظريا أكاديميا تنظيريا، ولعل أول ما يستوقف الباحث في الشأن اللبناني هو العلاقة الخبيثة بين السلطة في لبنان وبين التنوع المذهبي ، بحيث تغذيه ويلغيها. والتنوع المذهبي هنا هو التنوع في الادوار والحصص لا التنوع الفكري والثقافي،التنوع الذي يرادف الانقسام ويجافي الوحدة، وعليه يصبح البحث في تعديل بل إعادة انشاء قواعد وآليات انتاج السلطة في لبنان بما يؤمن طغيان المؤسسات الجديدة على القوى المذهبية بدل الخضوع لها، هو البحث الأولى والأوجب .

ان استعادة اللبناني لذاته الوطنية أولا، ثم لذاته الفردية، مرهونة بولادة سلطة جديدة على أنقاض القديمة ومرتكزاتها المذهبية في آن. فعندما يتعرض اللبناني للظلم أو ينعم بالمكافأة من قبل دولة تحتضنه كمواطن وليس كأحد رعايا هذا المذهب أو ذاك، فإنه لا بد سيتفاعل مع مصالحه وحقوقه وواجباته من موقع المواطنة، ومع القضايا الخارجية من منظار مصالح دولته الواحدة.

إن تفتيت الكتل السياسية المتمذهبة وتلك المذهبية المتسيسة ، يجعل من الممكن قيام أكثريات وأقليات ومن ثم موالاة ومعارضة بعيدة عن الاصطفافات والتشنجات المذهبية وبالتالي فإن ولاءات جديدة سوف تنشأ وسيكون للوطن حظه الأكبر منها.

 ســامي الجــواد

23ايلول 2013

 

 

الخميس، 25 يوليو 2013

في ذكرى كامل الأسعد / جريدة البلد


في ذكرى رحيل كامل الأسعد

كثيرة هي الاسئلة المسهجنة التي كنت  أسمعها من كثيرين. فأنت شاب في مقتبل العمر ولديك مستقبل تبحث عنه وتعمل لأجله فماذا يدعوك للإنخراط في خط سياسي لا أفق له ولا مجال في ساحة سياسة اليوم، وماذا يغريك في العمل مع رجل سياسة تقليدي في العقد السابع من عمره ، والمقصود هنا هو الزعيم اللبناني  رئيس مجلس النواب اللبناني الأسبق، الرئيس الراحل كامل الأسعد .

لا زالت تتأكد صحة أجوبتي مع الأيام وإن عزَّ الثمن . أن تكون إلى جانب كامل الأسعد في تلك  المرحلة فيه الكثير من التضحية والقليل القليل من المغانم السياسية لكن ما استهواني للمضي في هذا الخط رغم وعورة المسلك هو ما أحب المرور عليه في الذكرى الثالثة لرحيله.

لم يكن ذلك الرجل السبعيني يقل عن الشباب حيوية ونشاطا في الرياضة والسباحة والأناقة المتجددة، وكان في داخله قلب طفل صغير يرق لأبسط المشاهد الوجدانية ، لا يعرف الحقد ولا يكره إلا الكراهية.

لا يستطيع من يعرف هذا الرجل-أحبه أم لم يحبه-أن ينكر عليه هيبته وحضوره، فكامل الأسعد، صاحب الكاريزما المميزة والإطلالة الآسرة والنظرة الحازمة، بقي على حاله إلى آخر يوم عاشه. لم تكن تلك المواصفات الشخصية عنده من إضافات السلطة ولا من مكامن النفوذ، بل كانت تعبيرا صادقا عن شخصية متميزة صلبة صاغتها تربية صارمة ورفدتها زعامة أصيلة وبلورتها تجارب ومواقف متميزة فريدة.

جعلتني الثقة المطلقة التي منحني إياها في مختلف الملفات التي توليتها على تواضعها، جعلتني أرتبك في حمل أمانة المال، فالأمانة حمل ثقيل، إلى أن لاحظ ذلك في تصرفي ليقول: أنا أثق بك أكثر مما تتصور ،وإن كنت أدقق في الأمور المالية فذلك لقلة المال لدي ليس إلا. أورد هذه الحالة لأشير الى واحدة من مزايا هذا الرجل الذي لا قيمة للمال لديه إلا لتيسير الأمور، كان يأبى الهدايا والعطايا والأرقام المغرية معتبرا أن لا قيمة في الكون تعادل حريته واستقلاليته التي لم تكن موضع انكار من أحد. رفض المال السياسي بعد أن رفض المال العسكري – إذا صح التعبير- واكتفى بغنى النفس حصانة كافية، ولعلي أكشف ما كنت أعرف من الأسرار بأن ما بقي  من مال في حسابات كامل الأسعد بعد رحيله لم يصمد لذكرى أربعينه .

كامل الاسعد أرجع مع سفير ذلك الملك حقيبة كبيرة مليئة بالمال ،محملا إياه رسالتة مختصرة للملك : أنا أملك ما يكفيني من المال ، وحين أحتاج لن أتردد في طلب المساعدة فنحن أصدقاء. كامل الأسعد هو من رد على موفد الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد الذي طلب تأجيل موعده ساعتان بحجة استقبال نائب وزير الخارجية الأميركي قائلا: بعد ساعتان لدي موعد مع نائب رئيس بلدية بلدة جنوبية ويجب أن أراه، ذهل ذلك الموفد،راجع رئيسه وعاد مثبتا موعد كامل الأسعد .

كامل الأسعد الذي عارض السياسة السورية في لبنان في موقف مبدئي باهظ الثمن ، صرح لجريدة النهار بعد خروج سوريا من لبنان بأنه يرفض مهاجمة سوريا بعد خروجها من لبنان شبه مهزومة، فهذا ليس من شيمه.

كامل الأسعد العدو الأول للصهيونية، عرف مخططاتها الرامية الى افتعال الفتن الطائفية والمذهبية في لبنان والمشرق العربي ، نبه لذلك مرارا وتكرارا، وواجه تلك المخططات بما يتعارض مع مصالحه السياسية، فعند هبوب رياح الخلافات كان يتصرف كأم الصبي حتى صوروه متخليا عن حقوق طائفته وهو الواثق بأن حقوق كل الطوائف تتحقق ببقاء الوطن.

كامل الأسعد هو الذي قال لأحد المسؤولين عن أمنه حين كان رئيسا لمجلس النواب : أنا سأنزل الى المجلس ولو تحت القصف فهناك مصير بلد يجب أن يتقرر، وإذا كنت خائفا فلا ترافقني . وهو الذي أبقى المؤسسة الشرعية الأم موحدة رغم انقسام اللبنانيين وتعدد الجبهات والمتاريس.

كان قد وعدا مرشحا بأخذه على لائحته ثم جاءه آخر أوفر حظا وأوسع تمثيلا، لكنه جاء متأخرا ربما لمناورة كان يجريها، كان جواب كامل بك: انا وضعت يدي بيد فلان فإما أن تقطع وإما أن يسحب فلان يده أما أنا فلن أفعل.. ما تواخذني.

كان الرئيس الراحل غاضبا إزاء ما فعله الإسرائيليون في مخيم جنين ذات يوم وصادف أن اتصل احد المسؤولين في السفارة الأميركية قائلا: سعادة السفير يسلم عليكم وهو يرغب بلقائكم في اليوم الفلاني والتوقيت الفلاني. الرد كان حاسما وصاعقا ، قل لسعادة السفير بأنه إذا رغب بزيارتي يطلب الموعد وأنا الذي أحدده إذا كنت أرغب في استقباله وأنا الآن لا أرغب .

لمحات بسيطة هي غيض من فيض من سيرة زعيم لبناني كان الحظ أكبر أعدائه وكانت القضية أكبر همومه، ولعل كل ما يجري اليوم على الساحة اللبنانية من تخبط مؤسساتي وهرطقات دستورية وانقسام عمودي غير مسبوق وإثراء غير مشروع، كل ذلك دليل على ما كانت تمثله تلك الشخصية من مسؤولية في القيادة وصدق في المسؤولية .

سامي الجواد

الثلاثاء، 16 يوليو 2013

الميثاقية للتأسيس وليس للتعطيل / جريدة البلد اللبنانية 16/07/2013


الميثاقية للتأسيس وليس للتعطيل

نصت الفقرة ي من مقدمة الدستور بأنه لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق  العيش المشترك. وكلنا يعلم بأن سبب وجود هذه المادة يعود للخلاف الدستوري حول شرعية حكومة العماد ميشال عون العسكرية عام 1989،  حيث ارتكز الخلاف على مسألة خلو الحكومة من الوزراء المسلمين الذين لم يستطيعوا الاستمرار في الحكومة بفعل ضغط الشارع . إذن الميثاقية هي شرط أساسي لتأسيس أي سلطة وفي اختيار مكوناتها على أن تصبح هذه السلطة سلطة وطنية واحدة جامعة فاعلة ومتفاعلة مع المجتمع الوطني وباقي السلطات .

إن اشتراط الميثاقية في تأسيس أية سلطة، إنما كان لضمان المشاركة وعدم حصول الإستئثار، وهذا أمر منطقي في بلد كلبنان مر بأزمأت كبيرة كادت أن تودي بكيانه،  وكان شعار المشاركة ورفع الغبن هو الوقود الأكثر دفعا لتلك الأزمة آنذاك. لكن ما هو غير منطقي هو بأن تبقى السلطة المؤسسة رهين تلك الميثاقية بعد تشكلها وخلال تأدية عملها وفي الإختصاص الذي أوكل إليها. فالمجلس الدستوري المؤلف عل قاعدة الميثاقية والتوازن  الطائفيين مثلا ، لا يجوز أن يبقى مرتهنا لتلك الميثاقية خلال تأدية عمله كجسم واحد،  كما لا يجوز أن يحدد النصاب المطلوب لجلسات هذا المجلس بشكل مطابق لقواعد وموازين تشكيله لأن ذلك من شأنه أن ينقل عدوى التوازنات والعصبيات الى مؤسسة يفترض أن تتحرك كجسم واحد وإن تعددت فيها الرؤى والنظريات والإنتماءات. ولعل ما حصل أخيرا في المجلس الدستوري يؤكد وجهة نظرنا في أن الميثاقية قد تشكل عصا في دولاب أي مؤسسة عند أي اضطراب طائفي ، الأمر الذي ينسف مبدأي النزاهة والإستقلالية في آن، كما من شأنه أن يؤدي إلى شلل في المؤسسات العامة.

في الانتقال الى مجلس النواب ، المؤسسة الأم ، فلا يجوز منطقا وعرفا أن تعلو المقاييس الميثاقية على تلك الدستورية والقانونية. فهل يجوز أن لا يستطيع مجلس نيابي تأدية وظيفته في الرقابة والتشريع رغم وجود النصاب بحجة الميثاقية؟؟ إن النائب المنتخب عندما يدخل إلى مؤسسة المجلس يصبح نائبا عن الأمة بمقتضى الدستور، وبالتالي لا قيمة دستورية لتمثيله الطائفي الذي يجب أن يراعى في تشكيل المجلس وقبل ذلك في الدائرة الإنتخابية للمرشح .

اما مجلس الوزراء فهو ليس بحال أفضل حيث من الممكن شل أي جلسة بانسحاب وزراء طائفة معينة. أما العيب الأكبر في ذلك فهو تقسيم الطوائف الى اساسية وغير أساسية، وهنا نسال: إذا كانت هناك حكومة من 15 وزيرا ،وكانت بذلك حصة الطائفة الأرمنية وزير واحد وحصة الطائفة المارونية ثلاث وزراء، فهل ممكن أن تعقد الجلسة في غياب التمثيل الأرمني في حين أنها لا تعقد في غياب التمثيل الماروني مع فارق الحجم في التمثيل؟؟؟

إن البدعة المستحدثة اليوم المسماة (الميثاقية) هي وباء تعطيلي يجب محاربته والحد من انتشاره قبل أن تصبح كافة المؤسسات اللبنانية جبهات ومتاريس ميثاقية يحكمها كيد التعطيل في حين يجب أن تلتئم وتتحرك كل مؤسسة بحسب النصاب المحدد لها وذلك بصرف النظر عن هوية الحاضرين ، فالحضور واجب والمعارضة حق وليس من المنطق أن تسود القاعدة الجديدة : إما أن نأخذ ما نريد وإما نعطل المؤسسة بالاعتكاف ونتذرع بعدم الميثاقية.

سامي الجواد

08/07/2013

الأربعاء، 26 يونيو 2013

عن هوية المخاوف من الحالة التكفيرية / جريدة النهار اللبنانية / 26/06/2013


عن هوية المخاوف من الحالة التكفيرية


 


سامي الجواد


جريدة النهار 26 حزيران 2013  

بصرف النظر عن صحة المخاوف الشيعية من خطر تسلل الحالة التكفيرية الموجودة في سوريا أو عدم صحتها، وكذلك بصرف الظر عن صواب القرار الذي اتخذه "حزب الله" بالحرب الاستباقية الى جانب النظام في مواجهة التكفيريين أم عدمه، ثمة أسئلة ملحة ثلاثة تفرض طرحها على المراقب دون مناص.
يتصل السؤال الأول بهوية تلك المخاوف، بل بصحة تلك الهوية مع التسليم بصحة المخاوف، فهل هي فعلاً مخاوف شيعية جدية ناتجة من اقتراب الفكر التكفيري وجنده من التخوم؟
إذا كان الجواب ايجابياً، كما هو شائع راهناً، فأين هي حركة "أمل" من تلك المخاوف؟ وأين دورها؟ واستطراداً ما هو مبرر عدم مشاركة مقاتليها ذوي الباع الطويل في القتال وحرب الشوارع؟! هل يعود ذلك الى نقص في العتاد، أم في العديد، أم في الخبرة القتالية؟ أم أن حدود الالتزام الشيعي او التشيعي بتعبير أصح يقف عند حدود الوطن لدى حركة "أمل"، دون أن يخرجها ذلك عن التزاماتها المذهبية في الأمور العقيدية الباقية.
أما السؤال الثاني فينطلق من تسليمنا جدلاً بأن الحرب الاستباقية التي اختارها الحزب في الدفاع عن نفسه هي خيار صائب، فهل يستطيع المقاتل في تلك البلاد أن يميز من بين أهدافه بين تكفيري يذبح ويأكل القلوب وبين مقاتل سوري معارض للنظام ويسعى لإسقاطه في حين لم تمنعه تلك المعارضة إياها من أن يكون نصيراً أو على الأقل مؤيداً للمقاومة قبل نشوء الأزمة السورية وتحديداً قبل مشاركة "حزب الله" في القتال هناك؟
يرجع السؤال الثالث الى العمق الاستراتيجي العقيدي لقسم كبير من شيعة لبنان، ونعني به الجمهورية الاسلامية الايرانية التي تشترك مع أكثر شيعة لبنان في مخاوفهم نظراً الى وحدتها العضوية العقيدية معهم، كما تشترك معهم في المصلحة الاستراتيجية الجيوسياسية المتمثلة في بقاء النظام السوري الحالي. جوهر السؤال: لماذا لا تشارك إيران في تلك المواجهة بقرار سيادي دولتي تتخذه الحكومة الايرانية دون إحراج أو انقسام داخلي ودون أي حساسيات مذهبية تثار من هنا وهناك، في وقت أثارت مشاركة الحزب عواصف اعتراض محلية وإقليمية؟
إن الاجابة عن هذه التساؤلات رهينة الوقت، بل رهينة النتائج والمكاسب والتسويات التي ستثبت أن شد الحبال في الداخل السوري سوف يحدد الدول والقوى التي تجتمع حول الطاولة المستديرة لتقاسم مغانم المنطقة العربية ورسم خارطتها وتوزيع الادوار فيها. اما على المستوى الشيعي اللبناني الداخلي فلا بد من دور يضطلع به رئيس المجلس النيابي بصفته رئيساً للمجلس ولحركة "امل" في آن، هذا الدور من شأنه إذا ما نجح في إدارة الأزمة، أن يوفر شيئاً من الضمان لتكريس نسبي للبنانية الشيعة وفي مصلحتهم في تلك اللبننة ضمن الإطار العربي دون أن يؤثر ذلك في الفضاء الرحب المتاح في هذا الكون الواسع لحرية الاعتقاد والمذهب والتشيع

 

 

 

.

 

 

الجمعة، 11 مارس 2011

لبنان ليس مصر / جريدة البلد اللبنانية/ 11/03/2011


تختلف ديناميات التغيير وآلياته في النظم السياسية باختلاف آليات الحكم وتوزيع السلطة فيه ، بالإضافة إلى المرتكزات السياسية التي يقوم عليها هذا النظام أو ذاك . وعليه فإن ما جرى في مصر وتونس ليس من الضروري أن ينجح في لبنان .
فبالعودة إلى التاريخ الحديث لمصر، وخصوصا بعد ثورة 23 يوليو التي اطاحت بحكم الملك فاروق، نرى أن الشعب المصري قد استمر في تبني قيادات الثورة التي انتقلت من الفريق محمد نجيب إلى الرئيس جمال عبد الناصر ، وهذا ما تجلى في ردات الفعل المصرية والعربية على خطاب التنحي بعد هزيمة 1967 وفي حالة الصدمة والحزن التي عمت وفاته.
أما فترة حكم كل من السادات و مبارك فقد اتسمت بالتناقض مع الوجدان المصري العام ، الأمر الذي ادى إلى تكوين رأي عام معارض موحد في حده الأدنى ،الأمر الذي جعل من المصريين شعبا واحدا يريد الخلاص من نظام واحد لأسباب موحدة بين الجميع كانت الديمقراطية والحرية من أبرزها.
تؤكد التجربة المصرية أن نجاح عملية التغيير تتأثر  بطبيعة علاقة المواطن بالسلطة من الناحية الدستورية القانونية و بوحدة بواعث التحرك التغييري.
أما في لبنان ، الذي يرى قسم من أبنائه بأنه جزء من سوريا الكبرى بينما يعتبره قسم آخر كيانا مستقلا، والتي تتأرجح فيه الهوية بين العروبة والوجه العربي، و يحتار بين نهائية مجهولة الإنتماء والعقيدة، وبين ظرفية العبور إلى الدولة الإسلامية العالمية، في بقعة كلبنان تختلف الرواية وتتعقد قواعد اللعبة. فلبنان بلد متعدد الطوائف، تتقاطع فيه مصالح دولية وإقليمية ، وتقوم علاقات بين دول خارجية وأطراف لبنانية ،فتستحيل الطوائف قواعد متقدمة لهذه الدول أو تلك .
من فتنة 1860 مرورا بإلغاء امتيازات المتصرفية وصولا إلى الخلل الديموغرافي الذي سببته ولادة لبنان الكبير 1920، ظروف أرست اختلافا في الرؤية اللبنانية إلى المشاكل وحلولها . كما أن تماهي المسيحيين أو قسم منهم مع فرنسا الأم الحنون أقل تأثيرا من تماهي المسلمين مع الجمهورية العربية المتحدة والمد الناصري ،. الأمر نفسه ينطبق على علاقة اللبنانيين بمنظمة التحرير الفلسطينية عقب توقيع اتفاق القاهرة عام 1969. فبينما اعتبر المسيحي اللبناني نفسه مقاوما ومدافعا عن وجوده ، كان المسلم اللبناني يراه واجبا قوميا.
أما في فترة الحرب الأهلية بالإضافة إلى الإحتلال الإسرائيلي وتداعياته ، فقد أوجدت في المجتمع اللبناني قيادات جديدة ومفاهيم جديدة في علاقة اللبنانيين فيما بينهم حيث أصبحت الطائفية ظاهرة إجتماعية بعد أن كانت سياسية بحتة.
في فترة ما بعد اتفاق الطائف الذي زرع في الدستور اللبناني تعديلات هجينة انبتت انقساما طائفيا مقننا ومدسترا إذا جاز التعبير واستدعت وصاية خارجية تنظم الإنقسام . ثم فترة ما بعد الإنسحاب الإسرائيلي الذي زاد من اختلال موازين القوى في الداخل وتاليا في الخارج، حيث الإستثمار السياسي الداخلي والإقليمي للإنتصار اللبناني ذو الصبغة الشيعية ، هذا الخلل الذي لم يجد لتعديله مدخلا أو مسببا سوى جريمة بحجم اغتيال الرئيس رفيق الحريري، التي نعيش اليوم مرحلة تداعياتها.
يظهر بعد هذا السرد المختصر أنه ليس في لبنان اليوم شعب واحد ينظر إلى نظامه وقضيته بعين واحدة. كما يظهر وجود ترابط وجداني حقيقي وليس بالضرورة أن يكون محقا بين القيادات وبين غالبية الشعب اللبناني.
 وهنا نسأل بكل محبة أولئك الشباب المتحمسين في حملة إسقاط النظام : هل لدى اللبنانيين نظرة واحدة إلى عيوب هذا النظام وسبل إصلاحه وبدائله؟؟؟ هل يرى أولئك الشباب أن المشكلة هي في طائفية النظام فقط؟؟ وأن إلغاء الطائفية هو الحل الكافي والشافي للأزمة اللبنانية؟؟هل يرضى بعض اللبنانيين بإلغاء الطائفية ؟؟
لبنان ليس مصر واللبنانيون ليسوا المصريين، لبنان محل إقامة لسكان لبنانيين ، ومصر دولة يسكنها شعب مصري يتفق أول ما يتفق على سرد التاريخ المصري من ألفه إلى يائه والمفاخرة به. .

مصر الجديدة والمشرق العربي الجديد/ جريدة النهار اللبنانية 7/03/2011


 أما وقد تحقق الحلم المصري في التغيير والتحرر، فإن الأنظار تنشد منذ اللحظة إلى المشهد السياسي العام في المنطقة العربية وإلى انعكاس عودة ثمانين مليون عربي إلى ميدان العمل العربي المشترك سواء في العلاقات العربية - العربية أم في ميزان القوى المتصل بالصراع العربي - الإسرائيلي.
إن الإنعكاس المنتظر أو المرتقب للتغيير الحاصل في مصر إنما ينسحب في نظرنا على خمسة جوانب رئيسية منها المحلي المصري ومنها الإقليمي والدولي وهذه الإنعكاسات هي:
أولا: تفاعل الشعب المصري مع حريته المستعادة بعد ما يزيد عن ثلاثة عقود من القمع الفكري والسياسي الذي استوجبه فرض معاهدة "كمب ديفيد" من جهة وضمان استمرار الحاكم الفرد في إمساك مفاصل السلطة ومصادرها ونهب ثرواتها من جهة ثانية. أن الشعور الجديد بالحرية يعني ولادة جديدة للهوية المصرية العربية سواء على المستوى الفردي للمواطن المصري أم على مستوى الدور السياسي المصري العام. إن النخب المصرية على اختلاف مشاربها وعقائدها لا شك سوف تتفاعل إيجابا معا في تنافس طبيعي وديموقراطي لا بد وأن يتبلور في مشاريع سياسية تتجسد بدورها طبقة سياسية واعية واعدة تستطيع أن تعوض للمصريين ما فاتهم طوال العقود الثلاثة المنصرمة من الإجحاف في الحقوق السياسية والفكرية وحتى المعيشية في حدها الأدنى.
ثانيا: إنعكاس التغيير المصري على الدور المصري ضمن المنظومة العربية على المستوى السياسي وضمن الوجدان العربي التائق إلى أبسط مظاهر القوة والحرية.
فالنظام المصري المندحر قد أبعد مصر عن مسار الأحداث العربية الداخلية وصار الدور المصري ملحقا في غالب الأحيان بالدور السعودي. وإذا لاحظنا الأزمات المتعاقبة التي حلت بالسودان والذي يشكل المدى الحيوي والإستراتيجي الأهم لمصر، نجد أن الدور المصري غائب أو غير فاعل على الأقل في انكفاء أشبه بانشغال الرجل المريض بتفاصيل مرضه وعلاجه، في حين نرى أن دولة قطر ذات المليون مواطن ونيف تلعب دورا محوريا في مختلف القضايا والأزمات التي تحيط بها وإن لم تكن على تماس مع مصالحها القومية المباشرة.
ثالثا: حتمية تأثير تغيير السلطة في مصر على علاقتها بالكيان الإسرائيلي. فالوجدان المصري العربي العام وإن تأثر بعوامل القهر السياسي الذي مارسه النظام الأمني وبالفقر المدقع المتأتي من الفساد وسوء الإدارة وسياسة التجويع، إلا أنه لا شك وجدان تتجذر فيه المشاعر والقيم القومية العربية بالإضافة إلى الإحساس بالمسؤولية إزاء القضايا العربية المشتركة، لا سيما ما يتصل منها بالصراع العربي - الإسرائيلي.فإذا استطاع المجلس الأعلى للقوات المسلحة بصفته اليوم المؤتمن على استيلاد الشرعية الدستورية والشعبية وتكريس الديمقراطية في السلطة العتيدة، إذا استطاع هذا المجلس أن يمهد لمجلس نيابي جديد صحيح التمثيل فإنه لا شك لن يتغاضى عن تعديل المعاهدات والإتفاقيات المعقودة مع الكيان الإسرائيلي إن لم نقل إلغائها.
إن الموقف المنتظر من الحكومة المصرية العتيدة والمنبثقة عن الظروف الجديدة سيكون الموقف المفصل في إعادة رسم خريطة المنطقة وصياغة موازينها وتوزيع الأدوار السياسية فيها. فمعادلة لا حرب من دون مصر لم تعد قائمة ولم يعد للغول الإسرائيلي حرية التحرك والشعور بالأمان، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى إعادة تأكيد الهوية العربية للمنطقة بأسرها بكونها منطقة المشرق العربي لا الشرق الأوسط الجديد.
رابعا: يتمثل الإنعكاس الرابع للتغيير المصري باستعادة القومية العربية للوهج الذي افتقدته لعقود خلت لا سيما بعد رحيل الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وبعد مسلسل الهزائم و الإخفاقات العربية الذي انتقلت من الميدان إلى الداخل العربي عبر المعاهدات الجائرة بدءا من "كمب ديفيد" مرورا بوادي عربة ووصولا إلى أوسلو ناهيك عن تبرع بعض الدول بفتح مكاتب تمثيلية لإسرائيل في ضربة إضافية لأبسط مظاهر التضامن العربي مما انعكس إحباطا عربيا وكفرا بالقومية العربية وبالإنتماء لها. إن استعادة هذا الوهج للقومية العربية لا يعني في نظرنا نظم القصائد والتغني بالأمجاد، إنما نراه انتشاراً للشعور القومي العربي العام بالإنتماء إلى هوية عربية واحدة تتعدد في إطارها الإنتماءات القطرية والمعتقدات الدينية والمذهبية.
إن من أهم أسباب بروز وانتشار الحركات الأصولية واستشراء الفتن المذهبية هو انهزام المشروع العربي في مواجهة إسرائيل وفشل الأنظمة العربية في قيادة هذا المشروع أو على الأقل في اتخاذ موقف عربي موحد إزاءه.لقد قايض معظم القادة العرب مع دول النفوذ والإستعمار ضمان إستمراريتهم في الحكم مقابل التخلي عن القضية العربية المحورية التي كانت قبلة أنظار المناضلين العرب وعروس الشعر الوحيدة. وبالمراجعة السريعة لحركات التحرر الشعبية نلاحظ تعاظم الدور الأيديولوجي الديني في رفد تلك الحركات كالثورة الإسلامية في إيران والمقاومة الإسلامية في لبنان وحركتي "حماس" و"الجهاد" في فلسطين دون أن ننسى الإنتشار المتزايد للإخوان المسلمين في كل من مصر وسوريا والأردن وكذلك حركات التحرر في الجزائر واليمن والمقاومات العراقية غير معروفة العدد. ولو لاحظنا في المقابل انشداد الشارع العربي بكل تلاوينه الدينية والمذهبية والسياسية للحدث المصري،بالإضافة إلى الموقف الإيراني ولو اختلف القصد والمنطلق، للمسنا كيف طغى الشعور الإنساني والقومي على ما دونه من انتماءات حيث اتسعت العباءة القومية لكل المذاهب والتيارات.
وفي مشهد آخر فإننا لا نرى الإنجاز المصري الذي كان بالأمس القريب شارعا سنيا بأقل أهمية من الإنجاز اللبناني العظيم في تحرير الأرض والذي ألبس بدوره لبوسا شيعيا، الأمر الذي يدحض المزاعم التي تحتكر لهذا المذهب أو ذاك القدرة على قيادة المجتمع نحو التحرر أو نحو مقاومة العدو الإسرائيلي حيث يلتقي "حزب الله" في لبنان مع "حماس" في فلسطين المحتلة. وعليه فإنه بإمكان الشعور القومي في ما لو استعاد وهجه وحضوره نفسيا في الوجدان العربي وعمليا في ميدان الصراع وميزان القوة، بإمكان هذا الشعور أن يخفف من غلواء الطائفية والمذهبية تمهيدا لمحوها من النفوس.
خامسا: يتجلى الإنعكاس الخامس للحركتين التونسية والمصرية في ظهور بشائر انتقال عدوى التحرر في العديد من الدول التي بادر حكامها إلى إجراء الإصلاح أو إعطاء المعونات أو توسيع هامش الحرية السياسية لبعض الناشطين. والأهم من ذلك هو استنشاق المواطن العربي لهواء الحرية.
إن الأمل معقود اليوم على نجاح الثورة المصرية في تكريس التغيير الحاصل على مستوى الرئاسة لترسيخه عموديا وأفقيا، فعودة ثمانين مليون عربي إلى الساحة سيفرض على الجميع في الداخل والجوار وفي الخارج إعادة النظر في تقاطع المصالح وبالتالي في رسم السياسات والأهداف،الأمر الذي لا شك سيغير وجه المنطقة ويصوب وجهتها.
في الختام لا بد من توجيه التحية إلى الشعبين التونسي والمصري الذين قد يكونا فتحا للأمة بابا لاستعادة مجد تشتاق إليه. المجد للشهداء اللذين سقطوا في لبنان ومصر وتونس وفلسطين لتحيا أوطانهم.

الاثنين، 14 فبراير 2011

حركة التغيير المصرية :الواقع والتحديات

كتبهاSami AlJawad ، في 9 شباط 2011 الساعة: 22:59 م

مما لا شك فيه أن الواقع المصري يحتاج إلى أكثر من ثورة،ربما يحتاج إلى معجزة كبرى كي يحدث التغيير المنشود هناك، وذلك على كافة الصعد وفي مختلف المجالات. فالواقع الإقتصادي كنتيجة للواقع السياسي ليس بأقل صعوبة من هذا الواقع إياه، ومن الطبيعي أن يكون الواقع الإجتماعي مرءاة للوضعين المذكورين.إلا أن تغيير الواقع السياسي المتمثل بوجود نظام مستبد متسلط على مقدرات البلاد ومتحكم بمصائر العباد دون أي رقيب أو حسيب وذلك بسبب استنساخ الحكم القائم لمعارضات تشبهه ولمؤسسات دستورية وقضائية تدور في فلكه وتضمن وتشرع استمراره،إن تغيير هكذا واقع هو لا شك أساسي وضروري ومستعجل أيضا. 
إن الضرورة التغيير السياسي وحتميته إنما تنطلق من ارتباط الواقع الإستبدادي الراهن بأولى القيم الإنسانية وأكثرها تأثيرا في حركة الوعي الإنساني وفي حركة التفاعل البشري ضمن المنظومة الإجتماعية والتي هي الحرية. لقد أفقد القمع والإستبداد وسياسة كم الأفواه التي يعتمدها النظام المصري وغيره من الأنظمة القمعية، أفقد المواطن إحساسه بنفسه كإنسان بالدرجة الأولى وكمواطن تاليا ،وجعل منه آلة دائبة العمل والحراك لسد احتياجات أولية كالمسكن والغذاء، كما جعل باقي القيم المحض بشرية كالحرية الشخصية والسياسية وما تتضمنانه من حقوق ترتقي بالإنسان في نفسه ومجتمعه وتدفعه إلى خوض غمار الجد والنضال نحو الكمال بوصفه غاية الرقي ومنتهى التطور البشري.

في مصر كما تونس كما معظم الدول العربية والأفريقية وحتى الأميركية وتلك المترامية في أطراف آسيا، يتواءم القمع مع الفقر وينتجان ويحميان بعضهما البعض . فإلى جانب الحصار البوليسي الذي عانى منه المصريون لم يكن الوضع الإجتماعي في بلد الثمانين مليون نسمة بأفضل حال، حتى صارت لقمة عيش المواطن هي شغله الشاغل وبات الحديث في السياسة كابوسا يرافق المواطن المتلفت إلى جانبيه، بل إلى جوانبه خشية غدر العسس والمخبرين.. فمن الظلم أن يظن البعض بأن الشعب المصري الشقيق ضعيف التحسس بكرامته أو حديث العهد بالديمقراطية ولا يعرف معنى الحرية، لكن فكي كماشة النظام المتمثلين بالقمع والفقر حالا دون وجود حركة نضال مصرية تعادل حجم مصر وتتناسب مع طاقات مصر الفكرية والأدبية والسياسية الهائلة .

من هنا وبناء على العرض الموجز للواقع المصري الراهن نرى أهمية وصعوبة التحدي الذي يواجه المصريين اليوم. فبالإضافة إلى تغيير النظام الحالي بأشخاصه ومؤسساته الدستورية المجيرة لصالح الأشخاص إياهم، تبرز مهمة النهوض بالمواطن المصري بل بالواقع المصري بمكوناته كافة والعبور به إلى مستوى يخوله من الناحية الإقتصادية أولا ثم من الناحية السياسية ،يخوله الولوج إلى تحقيق ذاته الشخصية والوطنية في آن كمدخل للوصول إلى تغيير جذري في مفهوم علاقة السلطة بالمواطن وعلاقة المواطن بالدولة بالإضافة إلى الحقوق والواجبات التي تفرضها وتبلورها هذه العلاقة.

قد يكون الحد من الفساد جزءا من الحل، لكن عمق الأزمة المصرية من مختلف جوانبها لا يجعلها من السطحية لأن يقال بأن التغيير في السلطة سوف يعيد للمواطن المصري حقوقه ويرفع من دخله ومستوى عيشه وبالتالي مستوى تفكيره وفي نهاية المطاف إنتاجيته. إن التغيير المرتقب لن يكون إلا حجرا أولا ورئيسيا في مسيرة طويلة بعد ثلاثة عقود من تسخير الدولة والنظام والشعب لخدمة مصالح طغمة فاسدة مجرمة. فالدستور مقنن ومركب لخدمة تلك الطغمة وكذلك الإقتصاد العام بمؤسساته و مكوناته بالإضافة إلى المؤسسة الأمنية التي كرست لحماية النظام وضمان استمراريته.

كما لا يمكننا التقليل من فداحة الغبن الذي عاشه السعب المصري الذي خاض معارك وثورات داخلية تصحيحية ومعارك خارجية ضد العدو الإسرائيلي. فالمواطن المصري الذي اضطر للسكوت عن معاهدة كامب دايفيد وتداعياتها النفسية والسياسية والإقتصادية على المجتمع المصري، يجد نفسه اليوم تواقا لاستعادة ذاته القومية ولاستعادة الدور المحوري لمصر ضمن المنظومة العربية من جهة وفي ميزان القوى في الصراع الوجودي بين العرب وإسرائيل. إن نزوع الشعب المصري إلى هذا الدور يعني الإستعداد من جديد لمواجهة إسرائيل والولايات المتحدة (بمعوناتها وقمحها) الأمر الذي يستلزم وجود أرضية شعبية وقانونية وبالتالي حكومية للإضطلاع بالدور المنشود.
في الختام نأمل أن يعي الشباب المصري وعقلاء الثورة حجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم ، فتغيير النظام سوف يغدو بعد حدوثه أسهل المهمات وأقلها خطورة، فالإستقرار على المحك والتحرك الإستراتيجي والموقف الرؤيوي هو الضمانة للإستمرار ..
الثابت الوحيد في هذه الحركة البريئة والعفوية الصادقة هو أن الحرية لا شك ستؤدي إلى الإبداع إنشاء الله لكنها ستزيد المسؤولية حتما ..
مع الدعاء بالتوفيق لكل طالبي الحرية من تونس ومصر إلى لبنان المقموع بالديمقراطية إلى سائر العالم..
سامي الجواد