الجمعة، 11 مارس 2011

لبنان ليس مصر / جريدة البلد اللبنانية/ 11/03/2011


تختلف ديناميات التغيير وآلياته في النظم السياسية باختلاف آليات الحكم وتوزيع السلطة فيه ، بالإضافة إلى المرتكزات السياسية التي يقوم عليها هذا النظام أو ذاك . وعليه فإن ما جرى في مصر وتونس ليس من الضروري أن ينجح في لبنان .
فبالعودة إلى التاريخ الحديث لمصر، وخصوصا بعد ثورة 23 يوليو التي اطاحت بحكم الملك فاروق، نرى أن الشعب المصري قد استمر في تبني قيادات الثورة التي انتقلت من الفريق محمد نجيب إلى الرئيس جمال عبد الناصر ، وهذا ما تجلى في ردات الفعل المصرية والعربية على خطاب التنحي بعد هزيمة 1967 وفي حالة الصدمة والحزن التي عمت وفاته.
أما فترة حكم كل من السادات و مبارك فقد اتسمت بالتناقض مع الوجدان المصري العام ، الأمر الذي ادى إلى تكوين رأي عام معارض موحد في حده الأدنى ،الأمر الذي جعل من المصريين شعبا واحدا يريد الخلاص من نظام واحد لأسباب موحدة بين الجميع كانت الديمقراطية والحرية من أبرزها.
تؤكد التجربة المصرية أن نجاح عملية التغيير تتأثر  بطبيعة علاقة المواطن بالسلطة من الناحية الدستورية القانونية و بوحدة بواعث التحرك التغييري.
أما في لبنان ، الذي يرى قسم من أبنائه بأنه جزء من سوريا الكبرى بينما يعتبره قسم آخر كيانا مستقلا، والتي تتأرجح فيه الهوية بين العروبة والوجه العربي، و يحتار بين نهائية مجهولة الإنتماء والعقيدة، وبين ظرفية العبور إلى الدولة الإسلامية العالمية، في بقعة كلبنان تختلف الرواية وتتعقد قواعد اللعبة. فلبنان بلد متعدد الطوائف، تتقاطع فيه مصالح دولية وإقليمية ، وتقوم علاقات بين دول خارجية وأطراف لبنانية ،فتستحيل الطوائف قواعد متقدمة لهذه الدول أو تلك .
من فتنة 1860 مرورا بإلغاء امتيازات المتصرفية وصولا إلى الخلل الديموغرافي الذي سببته ولادة لبنان الكبير 1920، ظروف أرست اختلافا في الرؤية اللبنانية إلى المشاكل وحلولها . كما أن تماهي المسيحيين أو قسم منهم مع فرنسا الأم الحنون أقل تأثيرا من تماهي المسلمين مع الجمهورية العربية المتحدة والمد الناصري ،. الأمر نفسه ينطبق على علاقة اللبنانيين بمنظمة التحرير الفلسطينية عقب توقيع اتفاق القاهرة عام 1969. فبينما اعتبر المسيحي اللبناني نفسه مقاوما ومدافعا عن وجوده ، كان المسلم اللبناني يراه واجبا قوميا.
أما في فترة الحرب الأهلية بالإضافة إلى الإحتلال الإسرائيلي وتداعياته ، فقد أوجدت في المجتمع اللبناني قيادات جديدة ومفاهيم جديدة في علاقة اللبنانيين فيما بينهم حيث أصبحت الطائفية ظاهرة إجتماعية بعد أن كانت سياسية بحتة.
في فترة ما بعد اتفاق الطائف الذي زرع في الدستور اللبناني تعديلات هجينة انبتت انقساما طائفيا مقننا ومدسترا إذا جاز التعبير واستدعت وصاية خارجية تنظم الإنقسام . ثم فترة ما بعد الإنسحاب الإسرائيلي الذي زاد من اختلال موازين القوى في الداخل وتاليا في الخارج، حيث الإستثمار السياسي الداخلي والإقليمي للإنتصار اللبناني ذو الصبغة الشيعية ، هذا الخلل الذي لم يجد لتعديله مدخلا أو مسببا سوى جريمة بحجم اغتيال الرئيس رفيق الحريري، التي نعيش اليوم مرحلة تداعياتها.
يظهر بعد هذا السرد المختصر أنه ليس في لبنان اليوم شعب واحد ينظر إلى نظامه وقضيته بعين واحدة. كما يظهر وجود ترابط وجداني حقيقي وليس بالضرورة أن يكون محقا بين القيادات وبين غالبية الشعب اللبناني.
 وهنا نسأل بكل محبة أولئك الشباب المتحمسين في حملة إسقاط النظام : هل لدى اللبنانيين نظرة واحدة إلى عيوب هذا النظام وسبل إصلاحه وبدائله؟؟؟ هل يرى أولئك الشباب أن المشكلة هي في طائفية النظام فقط؟؟ وأن إلغاء الطائفية هو الحل الكافي والشافي للأزمة اللبنانية؟؟هل يرضى بعض اللبنانيين بإلغاء الطائفية ؟؟
لبنان ليس مصر واللبنانيون ليسوا المصريين، لبنان محل إقامة لسكان لبنانيين ، ومصر دولة يسكنها شعب مصري يتفق أول ما يتفق على سرد التاريخ المصري من ألفه إلى يائه والمفاخرة به. .

مصر الجديدة والمشرق العربي الجديد/ جريدة النهار اللبنانية 7/03/2011


 أما وقد تحقق الحلم المصري في التغيير والتحرر، فإن الأنظار تنشد منذ اللحظة إلى المشهد السياسي العام في المنطقة العربية وإلى انعكاس عودة ثمانين مليون عربي إلى ميدان العمل العربي المشترك سواء في العلاقات العربية - العربية أم في ميزان القوى المتصل بالصراع العربي - الإسرائيلي.
إن الإنعكاس المنتظر أو المرتقب للتغيير الحاصل في مصر إنما ينسحب في نظرنا على خمسة جوانب رئيسية منها المحلي المصري ومنها الإقليمي والدولي وهذه الإنعكاسات هي:
أولا: تفاعل الشعب المصري مع حريته المستعادة بعد ما يزيد عن ثلاثة عقود من القمع الفكري والسياسي الذي استوجبه فرض معاهدة "كمب ديفيد" من جهة وضمان استمرار الحاكم الفرد في إمساك مفاصل السلطة ومصادرها ونهب ثرواتها من جهة ثانية. أن الشعور الجديد بالحرية يعني ولادة جديدة للهوية المصرية العربية سواء على المستوى الفردي للمواطن المصري أم على مستوى الدور السياسي المصري العام. إن النخب المصرية على اختلاف مشاربها وعقائدها لا شك سوف تتفاعل إيجابا معا في تنافس طبيعي وديموقراطي لا بد وأن يتبلور في مشاريع سياسية تتجسد بدورها طبقة سياسية واعية واعدة تستطيع أن تعوض للمصريين ما فاتهم طوال العقود الثلاثة المنصرمة من الإجحاف في الحقوق السياسية والفكرية وحتى المعيشية في حدها الأدنى.
ثانيا: إنعكاس التغيير المصري على الدور المصري ضمن المنظومة العربية على المستوى السياسي وضمن الوجدان العربي التائق إلى أبسط مظاهر القوة والحرية.
فالنظام المصري المندحر قد أبعد مصر عن مسار الأحداث العربية الداخلية وصار الدور المصري ملحقا في غالب الأحيان بالدور السعودي. وإذا لاحظنا الأزمات المتعاقبة التي حلت بالسودان والذي يشكل المدى الحيوي والإستراتيجي الأهم لمصر، نجد أن الدور المصري غائب أو غير فاعل على الأقل في انكفاء أشبه بانشغال الرجل المريض بتفاصيل مرضه وعلاجه، في حين نرى أن دولة قطر ذات المليون مواطن ونيف تلعب دورا محوريا في مختلف القضايا والأزمات التي تحيط بها وإن لم تكن على تماس مع مصالحها القومية المباشرة.
ثالثا: حتمية تأثير تغيير السلطة في مصر على علاقتها بالكيان الإسرائيلي. فالوجدان المصري العربي العام وإن تأثر بعوامل القهر السياسي الذي مارسه النظام الأمني وبالفقر المدقع المتأتي من الفساد وسوء الإدارة وسياسة التجويع، إلا أنه لا شك وجدان تتجذر فيه المشاعر والقيم القومية العربية بالإضافة إلى الإحساس بالمسؤولية إزاء القضايا العربية المشتركة، لا سيما ما يتصل منها بالصراع العربي - الإسرائيلي.فإذا استطاع المجلس الأعلى للقوات المسلحة بصفته اليوم المؤتمن على استيلاد الشرعية الدستورية والشعبية وتكريس الديمقراطية في السلطة العتيدة، إذا استطاع هذا المجلس أن يمهد لمجلس نيابي جديد صحيح التمثيل فإنه لا شك لن يتغاضى عن تعديل المعاهدات والإتفاقيات المعقودة مع الكيان الإسرائيلي إن لم نقل إلغائها.
إن الموقف المنتظر من الحكومة المصرية العتيدة والمنبثقة عن الظروف الجديدة سيكون الموقف المفصل في إعادة رسم خريطة المنطقة وصياغة موازينها وتوزيع الأدوار السياسية فيها. فمعادلة لا حرب من دون مصر لم تعد قائمة ولم يعد للغول الإسرائيلي حرية التحرك والشعور بالأمان، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى إعادة تأكيد الهوية العربية للمنطقة بأسرها بكونها منطقة المشرق العربي لا الشرق الأوسط الجديد.
رابعا: يتمثل الإنعكاس الرابع للتغيير المصري باستعادة القومية العربية للوهج الذي افتقدته لعقود خلت لا سيما بعد رحيل الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وبعد مسلسل الهزائم و الإخفاقات العربية الذي انتقلت من الميدان إلى الداخل العربي عبر المعاهدات الجائرة بدءا من "كمب ديفيد" مرورا بوادي عربة ووصولا إلى أوسلو ناهيك عن تبرع بعض الدول بفتح مكاتب تمثيلية لإسرائيل في ضربة إضافية لأبسط مظاهر التضامن العربي مما انعكس إحباطا عربيا وكفرا بالقومية العربية وبالإنتماء لها. إن استعادة هذا الوهج للقومية العربية لا يعني في نظرنا نظم القصائد والتغني بالأمجاد، إنما نراه انتشاراً للشعور القومي العربي العام بالإنتماء إلى هوية عربية واحدة تتعدد في إطارها الإنتماءات القطرية والمعتقدات الدينية والمذهبية.
إن من أهم أسباب بروز وانتشار الحركات الأصولية واستشراء الفتن المذهبية هو انهزام المشروع العربي في مواجهة إسرائيل وفشل الأنظمة العربية في قيادة هذا المشروع أو على الأقل في اتخاذ موقف عربي موحد إزاءه.لقد قايض معظم القادة العرب مع دول النفوذ والإستعمار ضمان إستمراريتهم في الحكم مقابل التخلي عن القضية العربية المحورية التي كانت قبلة أنظار المناضلين العرب وعروس الشعر الوحيدة. وبالمراجعة السريعة لحركات التحرر الشعبية نلاحظ تعاظم الدور الأيديولوجي الديني في رفد تلك الحركات كالثورة الإسلامية في إيران والمقاومة الإسلامية في لبنان وحركتي "حماس" و"الجهاد" في فلسطين دون أن ننسى الإنتشار المتزايد للإخوان المسلمين في كل من مصر وسوريا والأردن وكذلك حركات التحرر في الجزائر واليمن والمقاومات العراقية غير معروفة العدد. ولو لاحظنا في المقابل انشداد الشارع العربي بكل تلاوينه الدينية والمذهبية والسياسية للحدث المصري،بالإضافة إلى الموقف الإيراني ولو اختلف القصد والمنطلق، للمسنا كيف طغى الشعور الإنساني والقومي على ما دونه من انتماءات حيث اتسعت العباءة القومية لكل المذاهب والتيارات.
وفي مشهد آخر فإننا لا نرى الإنجاز المصري الذي كان بالأمس القريب شارعا سنيا بأقل أهمية من الإنجاز اللبناني العظيم في تحرير الأرض والذي ألبس بدوره لبوسا شيعيا، الأمر الذي يدحض المزاعم التي تحتكر لهذا المذهب أو ذاك القدرة على قيادة المجتمع نحو التحرر أو نحو مقاومة العدو الإسرائيلي حيث يلتقي "حزب الله" في لبنان مع "حماس" في فلسطين المحتلة. وعليه فإنه بإمكان الشعور القومي في ما لو استعاد وهجه وحضوره نفسيا في الوجدان العربي وعمليا في ميدان الصراع وميزان القوة، بإمكان هذا الشعور أن يخفف من غلواء الطائفية والمذهبية تمهيدا لمحوها من النفوس.
خامسا: يتجلى الإنعكاس الخامس للحركتين التونسية والمصرية في ظهور بشائر انتقال عدوى التحرر في العديد من الدول التي بادر حكامها إلى إجراء الإصلاح أو إعطاء المعونات أو توسيع هامش الحرية السياسية لبعض الناشطين. والأهم من ذلك هو استنشاق المواطن العربي لهواء الحرية.
إن الأمل معقود اليوم على نجاح الثورة المصرية في تكريس التغيير الحاصل على مستوى الرئاسة لترسيخه عموديا وأفقيا، فعودة ثمانين مليون عربي إلى الساحة سيفرض على الجميع في الداخل والجوار وفي الخارج إعادة النظر في تقاطع المصالح وبالتالي في رسم السياسات والأهداف،الأمر الذي لا شك سيغير وجه المنطقة ويصوب وجهتها.
في الختام لا بد من توجيه التحية إلى الشعبين التونسي والمصري الذين قد يكونا فتحا للأمة بابا لاستعادة مجد تشتاق إليه. المجد للشهداء اللذين سقطوا في لبنان ومصر وتونس وفلسطين لتحيا أوطانهم.

الاثنين، 14 فبراير 2011

حركة التغيير المصرية :الواقع والتحديات

كتبهاSami AlJawad ، في 9 شباط 2011 الساعة: 22:59 م

مما لا شك فيه أن الواقع المصري يحتاج إلى أكثر من ثورة،ربما يحتاج إلى معجزة كبرى كي يحدث التغيير المنشود هناك، وذلك على كافة الصعد وفي مختلف المجالات. فالواقع الإقتصادي كنتيجة للواقع السياسي ليس بأقل صعوبة من هذا الواقع إياه، ومن الطبيعي أن يكون الواقع الإجتماعي مرءاة للوضعين المذكورين.إلا أن تغيير الواقع السياسي المتمثل بوجود نظام مستبد متسلط على مقدرات البلاد ومتحكم بمصائر العباد دون أي رقيب أو حسيب وذلك بسبب استنساخ الحكم القائم لمعارضات تشبهه ولمؤسسات دستورية وقضائية تدور في فلكه وتضمن وتشرع استمراره،إن تغيير هكذا واقع هو لا شك أساسي وضروري ومستعجل أيضا. 
إن الضرورة التغيير السياسي وحتميته إنما تنطلق من ارتباط الواقع الإستبدادي الراهن بأولى القيم الإنسانية وأكثرها تأثيرا في حركة الوعي الإنساني وفي حركة التفاعل البشري ضمن المنظومة الإجتماعية والتي هي الحرية. لقد أفقد القمع والإستبداد وسياسة كم الأفواه التي يعتمدها النظام المصري وغيره من الأنظمة القمعية، أفقد المواطن إحساسه بنفسه كإنسان بالدرجة الأولى وكمواطن تاليا ،وجعل منه آلة دائبة العمل والحراك لسد احتياجات أولية كالمسكن والغذاء، كما جعل باقي القيم المحض بشرية كالحرية الشخصية والسياسية وما تتضمنانه من حقوق ترتقي بالإنسان في نفسه ومجتمعه وتدفعه إلى خوض غمار الجد والنضال نحو الكمال بوصفه غاية الرقي ومنتهى التطور البشري.

في مصر كما تونس كما معظم الدول العربية والأفريقية وحتى الأميركية وتلك المترامية في أطراف آسيا، يتواءم القمع مع الفقر وينتجان ويحميان بعضهما البعض . فإلى جانب الحصار البوليسي الذي عانى منه المصريون لم يكن الوضع الإجتماعي في بلد الثمانين مليون نسمة بأفضل حال، حتى صارت لقمة عيش المواطن هي شغله الشاغل وبات الحديث في السياسة كابوسا يرافق المواطن المتلفت إلى جانبيه، بل إلى جوانبه خشية غدر العسس والمخبرين.. فمن الظلم أن يظن البعض بأن الشعب المصري الشقيق ضعيف التحسس بكرامته أو حديث العهد بالديمقراطية ولا يعرف معنى الحرية، لكن فكي كماشة النظام المتمثلين بالقمع والفقر حالا دون وجود حركة نضال مصرية تعادل حجم مصر وتتناسب مع طاقات مصر الفكرية والأدبية والسياسية الهائلة .

من هنا وبناء على العرض الموجز للواقع المصري الراهن نرى أهمية وصعوبة التحدي الذي يواجه المصريين اليوم. فبالإضافة إلى تغيير النظام الحالي بأشخاصه ومؤسساته الدستورية المجيرة لصالح الأشخاص إياهم، تبرز مهمة النهوض بالمواطن المصري بل بالواقع المصري بمكوناته كافة والعبور به إلى مستوى يخوله من الناحية الإقتصادية أولا ثم من الناحية السياسية ،يخوله الولوج إلى تحقيق ذاته الشخصية والوطنية في آن كمدخل للوصول إلى تغيير جذري في مفهوم علاقة السلطة بالمواطن وعلاقة المواطن بالدولة بالإضافة إلى الحقوق والواجبات التي تفرضها وتبلورها هذه العلاقة.

قد يكون الحد من الفساد جزءا من الحل، لكن عمق الأزمة المصرية من مختلف جوانبها لا يجعلها من السطحية لأن يقال بأن التغيير في السلطة سوف يعيد للمواطن المصري حقوقه ويرفع من دخله ومستوى عيشه وبالتالي مستوى تفكيره وفي نهاية المطاف إنتاجيته. إن التغيير المرتقب لن يكون إلا حجرا أولا ورئيسيا في مسيرة طويلة بعد ثلاثة عقود من تسخير الدولة والنظام والشعب لخدمة مصالح طغمة فاسدة مجرمة. فالدستور مقنن ومركب لخدمة تلك الطغمة وكذلك الإقتصاد العام بمؤسساته و مكوناته بالإضافة إلى المؤسسة الأمنية التي كرست لحماية النظام وضمان استمراريته.

كما لا يمكننا التقليل من فداحة الغبن الذي عاشه السعب المصري الذي خاض معارك وثورات داخلية تصحيحية ومعارك خارجية ضد العدو الإسرائيلي. فالمواطن المصري الذي اضطر للسكوت عن معاهدة كامب دايفيد وتداعياتها النفسية والسياسية والإقتصادية على المجتمع المصري، يجد نفسه اليوم تواقا لاستعادة ذاته القومية ولاستعادة الدور المحوري لمصر ضمن المنظومة العربية من جهة وفي ميزان القوى في الصراع الوجودي بين العرب وإسرائيل. إن نزوع الشعب المصري إلى هذا الدور يعني الإستعداد من جديد لمواجهة إسرائيل والولايات المتحدة (بمعوناتها وقمحها) الأمر الذي يستلزم وجود أرضية شعبية وقانونية وبالتالي حكومية للإضطلاع بالدور المنشود.
في الختام نأمل أن يعي الشباب المصري وعقلاء الثورة حجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم ، فتغيير النظام سوف يغدو بعد حدوثه أسهل المهمات وأقلها خطورة، فالإستقرار على المحك والتحرك الإستراتيجي والموقف الرؤيوي هو الضمانة للإستمرار ..
الثابت الوحيد في هذه الحركة البريئة والعفوية الصادقة هو أن الحرية لا شك ستؤدي إلى الإبداع إنشاء الله لكنها ستزيد المسؤولية حتما ..
مع الدعاء بالتوفيق لكل طالبي الحرية من تونس ومصر إلى لبنان المقموع بالديمقراطية إلى سائر العالم..
سامي الجواد

إلى كامل الأسعد في يوم مولده /جريدة البلد اللبنانية



10 شباط 2011
في مثل هذا اليوم ولدت، وفي مثله من الأعوام التي حظيت فيها بفرصة معرفتك ومرافقتك كنت أتوجه إليك بالمعايدة. أما اليوم، وبعد أن أن استوفى الله  أمانته لديك، حيث عرجت نفسك إلى باريها راضية مطمئنة، بقي لنا من الماضي  ذكريات عطرة، يكللها المجد ويزينها الإباء . ذكريات تتناقلها الأجيال ، فلكبريائك سيرة ولعنفوانك حديث ولمواقفك روايات وتأريخ ، وللصلابة لديك محطات لا بد للتاريخ أن يرسو عندها إذا قصد المؤرخون بر الحقيقة وإن عزَ الأمان. أما للمستقبل فلقد تركت مواسم خير على امتداد الوطن تتجدد فيها سطور مواقفك الصائبة، وتتلألأ فيها قبسات من أفكارك ورؤاك الخالدة، وما أحوجنا اليوم إلى رؤية تتخطى حدود الذات والعشيرة والطائفة، وما أحوجنا إلى أفكار صادقة الهدف وأصيلة المنشأ تبلسم جراح الوطن النازف في غمرة المخاض المستمر .
لقد قدر للمنتصر أن يكتب التاريخ ، لكن الأنكى  هو أن المنتصر اليوم  يرسم لنا بخطه ميزان القيم الأخلاقية والوطنية ، فتحولت السياسة من قيادة ورسالة إلى حيلة ووسيلة للكسب ثم لحفظ المكتسب ، لا يقيدها شرط ولا يحدها عرف. ما عاد الوفاء مكرمة، ولم تعد السرقة منقصة، ولا سوء الأئتمان عيب. وصار تبديل المواقف ونقل البندقية من خصال الرجال في عصر تبدل فيه أصلا معنى الرجولة .
في عصر السفراء هذا، لم يعد إعلان التبعية يخجل ، وفي زمن شراء الذمم لم يعد المواطن يخجله إدراج صوته في المزاد.
في خضم الحرب الأهلية  كان إعلان الطائفية أبشع من القتل الذي مورس علنا،أما اليوم فنرى الشعارات  المذهبية لازمة تتكرر في حديث رجال السياسة وطلاب الجامعات وتلامذة المدارس و أولاد الأزقة .
في عصر العولمة واتحادات الدول  يتفرق عالمنا العربي ودوله المصطنعة فتستحيل دويلات متناخرة وقبائل متصارعة أفقدتها الفرقة مبرر وجودها ،وبررت وجود الدولة اليهودية العنصرية. وهذا ما كان قد حذر كامل بك منه منذ الستينات القرن ..
في هذه الظروف ، و وسط هذا الإنحدار المخيف للقيم والتهاوي المؤلم للمبادئ الإنسانية أولا والوطنية تاليا، وفي قلب هذه العاصفة الهوجاء من التقاتل والتصارع والديماغوجيا التي تصم الآذان وتسكت العقل، وعلى وقع أصوات حيتان المال وأمراء الحرب ، في كل هذه الأجواء نتذكر كامل الأسعد...
نتذكر اليد البيضاء التي لم يدنسها دم ولا مال ، و الرقبة العتيقة من كل ارتهان، نتذكره ماردا حازما، صارم الهيبة،واثق الخطوة، آسر الحضور ، ملكا في ما يريد . نتذكره ونذكره حارسا لجمهورية أرادها نموذجا ورسالة إلى العالم تستحق التضحية من أجلها  لا التضحية بها، فحفظ(كتابها) وحافظ على مؤسساتها فثبت بسيادته سيادتها والبس مناصبه المتواضعة لبوس عنفوانه وكبريائه فاستحالت عروشا من مجد وعزة .
نتذكر كامل الأسعد ، قوله السيف وجبينه الصبح،لصادق في صداقته، فارس في خصومته، هو صاحب العهد ورمزالوفاء، تهابه الخطوب ولا يهابها .
في زمن القيادات المصطنعة والقرارات المستوردة نتذكر صانع رؤساء لبنان وحامي سيادته وصاحب القرار، نتذكر سعة الأفق وبعد الرؤية التي نأمل أن تنير لطلاب الحق دروب نضالهم الشخصي والوطني.
في يوم ميلادك أيها الراحل الكبير،وإن شاء الله سبحانه لك الرحيل ، فإن سنين غيابك لن تكون أطول من سنين حياتك لأنك باق في ذاكرة الأرض التي لا تموت ولا تنسى الفضل والأفاضل، باق في أصالة الخيل التي أسرجتها للمجد،باق مع كل سيف سل للحق أو أغمد لوأد فتنة، باق في قلوب أحبتك وتشتاق إليك.
سامي الجواد

الثلاثاء، 11 يناير 2011

الأقباط أم القومية العربية - جريدة البلد اللبنانية 10/01/2011


                           الأقباط أم القومية العربية ؟؟؟؟
      لم تكن ردات الفعل المصرية والعربية على الجريمة البشعة التي أودت بحياة عـدد من المصلين المصرين الأبرياء، بأقل خطورة وأذى من الجريمة نفسها. حيث من المستغرب ان تظهر الجريمة ويتم تسويقها وكأنها حصلت بحق دولة مستقلة إسمها كنيسة الأقباط وليست بحق مواطنين مصريين عرب يعتنقون الديانة المسيحية.
     إن مسلسل ردات الفعل إياها ،بدءا من تظاهرات المصريين الأقباط أنفسهم كأنهم مستهدفون دون بقية المصريين، مرورا بالمظاهرات المصرية الخجولة التي أعلنت التضامن مع الأقباط وكأنهم شعب آخر، وصولا إلى ردة الفعل العربية في اعتبارها أن الجريمة تستهدف مسيحيي الشرق، إن هذا المسلسل من ردات الفعل السطحية وغير المسؤولة يساعد في تكريس الإنقسام الطائفي والمذهبي من جهة، وإلى استبعاد فكرة الأمن القومي العربي كهدف من جهة أخرى؟
     لقد استغرق الشارع العربي بكافة تلاوينه وأطيافه وكذلك الحكومات العربية في الإنجرار إلى التقسيم الطائفي والمذهبي للشعوب العربية ذات اللغة الواحدة والإقليم الواحد والعدو الواحد، وذلك في تجاوب اعمى مع المؤامرة الصهيونية الواضحة المعالم والمراحل والأهداف في تفتيت الدول العربية وتمزيقها لتصبح دويلات متناحرة على أسس عنصرية ودينية. إن التمزق الآخذ في الإتساع بين الشعوب العربية في الدول المختلفة وبين شعب الدولة الواحدة من شأنه في نهاية المطاف أن يؤدي إلى تبرير وجود إسرائيل كدولة عنصرية يهودية بين عدة دويلات مشابهة لها. وهنا نعود بالذاكرة لما قالته غولدامئير رئيسة الوزراء الإسرائيلية لهنري كيسنجر وزير خارجية الولايات المتحدة وهو أن أمن إسرائيل لا يتحقق بالإتفاقات الثنائية ولا من خلال حلف شمال الأطلسي ولا بالتسلح، إنما يتحقق بوجود إسرائيل بين دويلات طائفية ومذهبية متناحرة فيما بينها.
    مما لا شك فيه إن الوجود المسيحي في المشرق العربي  هو ثروة إنسانية ورافد حضاري وقيمة مضافة في هذا المشرق ، لكن المشكلة بل القضية الاهم ليست الوجود العددي للمسيحيين في هذه الدولة أو تلك من البلدان العربية، إنما هي في المحافظة على الهوية العربية لهؤلاء ،و بالأحرى أن يبقوا عربا مسيحيين لا أن يصبحوا مسيحيين فقط . إن تحول العرب المسيحيين من مواطنين عرب في دولهم إلى جاليات مسيحية في البلدان العربية يجعل من بقاءهم في الشرق أو عدمه سيان إزاء حركة التفاعل الحضاري والثقافي بينهم وبين المسلمين وكذلك إزاء مواجهة العنصرية الدينية اليهودية وتثبيت قومية المعركة في الصراع مع العدو الإسرائيلي وحلفائه .
ســامي الجــواد
  06/01/2011