10 شباط 2011
في مثل هذا اليوم ولدت، وفي مثله من الأعوام التي حظيت فيها بفرصة معرفتك ومرافقتك كنت أتوجه إليك بالمعايدة. أما اليوم، وبعد أن أن استوفى الله أمانته لديك، حيث عرجت نفسك إلى باريها راضية مطمئنة، بقي لنا من الماضي ذكريات عطرة، يكللها المجد ويزينها الإباء . ذكريات تتناقلها الأجيال ، فلكبريائك سيرة ولعنفوانك حديث ولمواقفك روايات وتأريخ ، وللصلابة لديك محطات لا بد للتاريخ أن يرسو عندها إذا قصد المؤرخون بر الحقيقة وإن عزَ الأمان. أما للمستقبل فلقد تركت مواسم خير على امتداد الوطن تتجدد فيها سطور مواقفك الصائبة، وتتلألأ فيها قبسات من أفكارك ورؤاك الخالدة، وما أحوجنا اليوم إلى رؤية تتخطى حدود الذات والعشيرة والطائفة، وما أحوجنا إلى أفكار صادقة الهدف وأصيلة المنشأ تبلسم جراح الوطن النازف في غمرة المخاض المستمر .
لقد قدر للمنتصر أن يكتب التاريخ ، لكن الأنكى هو أن المنتصر اليوم يرسم لنا بخطه ميزان القيم الأخلاقية والوطنية ، فتحولت السياسة من قيادة ورسالة إلى حيلة ووسيلة للكسب ثم لحفظ المكتسب ، لا يقيدها شرط ولا يحدها عرف. ما عاد الوفاء مكرمة، ولم تعد السرقة منقصة، ولا سوء الأئتمان عيب. وصار تبديل المواقف ونقل البندقية من خصال الرجال في عصر تبدل فيه أصلا معنى الرجولة .
في عصر السفراء هذا، لم يعد إعلان التبعية يخجل ، وفي زمن شراء الذمم لم يعد المواطن يخجله إدراج صوته في المزاد.
في خضم الحرب الأهلية كان إعلان الطائفية أبشع من القتل الذي مورس علنا،أما اليوم فنرى الشعارات المذهبية لازمة تتكرر في حديث رجال السياسة وطلاب الجامعات وتلامذة المدارس و أولاد الأزقة .
في عصر العولمة واتحادات الدول يتفرق عالمنا العربي ودوله المصطنعة فتستحيل دويلات متناخرة وقبائل متصارعة أفقدتها الفرقة مبرر وجودها ،وبررت وجود الدولة اليهودية العنصرية. وهذا ما كان قد حذر كامل بك منه منذ الستينات القرن ..
في هذه الظروف ، و وسط هذا الإنحدار المخيف للقيم والتهاوي المؤلم للمبادئ الإنسانية أولا والوطنية تاليا، وفي قلب هذه العاصفة الهوجاء من التقاتل والتصارع والديماغوجيا التي تصم الآذان وتسكت العقل، وعلى وقع أصوات حيتان المال وأمراء الحرب ، في كل هذه الأجواء نتذكر كامل الأسعد...
نتذكر اليد البيضاء التي لم يدنسها دم ولا مال ، و الرقبة العتيقة من كل ارتهان، نتذكره ماردا حازما، صارم الهيبة،واثق الخطوة، آسر الحضور ، ملكا في ما يريد . نتذكره ونذكره حارسا لجمهورية أرادها نموذجا ورسالة إلى العالم تستحق التضحية من أجلها لا التضحية بها، فحفظ(كتابها) وحافظ على مؤسساتها فثبت بسيادته سيادتها والبس مناصبه المتواضعة لبوس عنفوانه وكبريائه فاستحالت عروشا من مجد وعزة .
نتذكر كامل الأسعد ، قوله السيف وجبينه الصبح،لصادق في صداقته، فارس في خصومته، هو صاحب العهد ورمزالوفاء، تهابه الخطوب ولا يهابها .
في زمن القيادات المصطنعة والقرارات المستوردة نتذكر صانع رؤساء لبنان وحامي سيادته وصاحب القرار، نتذكر سعة الأفق وبعد الرؤية التي نأمل أن تنير لطلاب الحق دروب نضالهم الشخصي والوطني.
في يوم ميلادك أيها الراحل الكبير،وإن شاء الله سبحانه لك الرحيل ، فإن سنين غيابك لن تكون أطول من سنين حياتك لأنك باق في ذاكرة الأرض التي لا تموت ولا تنسى الفضل والأفاضل، باق في أصالة الخيل التي أسرجتها للمجد،باق مع كل سيف سل للحق أو أغمد لوأد فتنة، باق في قلوب أحبتك وتشتاق إليك.
سامي الجواد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق