تختلف ديناميات التغيير وآلياته في النظم السياسية باختلاف آليات الحكم وتوزيع السلطة فيه ، بالإضافة إلى المرتكزات السياسية التي يقوم عليها هذا النظام أو ذاك . وعليه فإن ما جرى في مصر وتونس ليس من الضروري أن ينجح في لبنان .
فبالعودة إلى التاريخ الحديث لمصر، وخصوصا بعد ثورة 23 يوليو التي اطاحت بحكم الملك فاروق، نرى أن الشعب المصري قد استمر في تبني قيادات الثورة التي انتقلت من الفريق محمد نجيب إلى الرئيس جمال عبد الناصر ، وهذا ما تجلى في ردات الفعل المصرية والعربية على خطاب التنحي بعد هزيمة 1967 وفي حالة الصدمة والحزن التي عمت وفاته.
أما فترة حكم كل من السادات و مبارك فقد اتسمت بالتناقض مع الوجدان المصري العام ، الأمر الذي ادى إلى تكوين رأي عام معارض موحد في حده الأدنى ،الأمر الذي جعل من المصريين شعبا واحدا يريد الخلاص من نظام واحد لأسباب موحدة بين الجميع كانت الديمقراطية والحرية من أبرزها.
تؤكد التجربة المصرية أن نجاح عملية التغيير تتأثر بطبيعة علاقة المواطن بالسلطة من الناحية الدستورية القانونية و بوحدة بواعث التحرك التغييري.
أما في لبنان ، الذي يرى قسم من أبنائه بأنه جزء من سوريا الكبرى بينما يعتبره قسم آخر كيانا مستقلا، والتي تتأرجح فيه الهوية بين العروبة والوجه العربي، و يحتار بين نهائية مجهولة الإنتماء والعقيدة، وبين ظرفية العبور إلى الدولة الإسلامية العالمية، في بقعة كلبنان تختلف الرواية وتتعقد قواعد اللعبة. فلبنان بلد متعدد الطوائف، تتقاطع فيه مصالح دولية وإقليمية ، وتقوم علاقات بين دول خارجية وأطراف لبنانية ،فتستحيل الطوائف قواعد متقدمة لهذه الدول أو تلك .
من فتنة 1860 مرورا بإلغاء امتيازات المتصرفية وصولا إلى الخلل الديموغرافي الذي سببته ولادة لبنان الكبير 1920، ظروف أرست اختلافا في الرؤية اللبنانية إلى المشاكل وحلولها . كما أن تماهي المسيحيين أو قسم منهم مع فرنسا الأم الحنون أقل تأثيرا من تماهي المسلمين مع الجمهورية العربية المتحدة والمد الناصري ،. الأمر نفسه ينطبق على علاقة اللبنانيين بمنظمة التحرير الفلسطينية عقب توقيع اتفاق القاهرة عام 1969. فبينما اعتبر المسيحي اللبناني نفسه مقاوما ومدافعا عن وجوده ، كان المسلم اللبناني يراه واجبا قوميا.
أما في فترة الحرب الأهلية بالإضافة إلى الإحتلال الإسرائيلي وتداعياته ، فقد أوجدت في المجتمع اللبناني قيادات جديدة ومفاهيم جديدة في علاقة اللبنانيين فيما بينهم حيث أصبحت الطائفية ظاهرة إجتماعية بعد أن كانت سياسية بحتة.
في فترة ما بعد اتفاق الطائف الذي زرع في الدستور اللبناني تعديلات هجينة انبتت انقساما طائفيا مقننا ومدسترا إذا جاز التعبير واستدعت وصاية خارجية تنظم الإنقسام . ثم فترة ما بعد الإنسحاب الإسرائيلي الذي زاد من اختلال موازين القوى في الداخل وتاليا في الخارج، حيث الإستثمار السياسي الداخلي والإقليمي للإنتصار اللبناني ذو الصبغة الشيعية ، هذا الخلل الذي لم يجد لتعديله مدخلا أو مسببا سوى جريمة بحجم اغتيال الرئيس رفيق الحريري، التي نعيش اليوم مرحلة تداعياتها.
يظهر بعد هذا السرد المختصر أنه ليس في لبنان اليوم شعب واحد ينظر إلى نظامه وقضيته بعين واحدة. كما يظهر وجود ترابط وجداني حقيقي وليس بالضرورة أن يكون محقا بين القيادات وبين غالبية الشعب اللبناني.
وهنا نسأل بكل محبة أولئك الشباب المتحمسين في حملة إسقاط النظام : هل لدى اللبنانيين نظرة واحدة إلى عيوب هذا النظام وسبل إصلاحه وبدائله؟؟؟ هل يرى أولئك الشباب أن المشكلة هي في طائفية النظام فقط؟؟ وأن إلغاء الطائفية هو الحل الكافي والشافي للأزمة اللبنانية؟؟هل يرضى بعض اللبنانيين بإلغاء الطائفية ؟؟
لبنان ليس مصر واللبنانيون ليسوا المصريين، لبنان محل إقامة لسكان لبنانيين ، ومصر دولة يسكنها شعب مصري يتفق أول ما يتفق على سرد التاريخ المصري من ألفه إلى يائه والمفاخرة به. .