كتبهاSami AlJawad ، في 9 شباط 2011 الساعة: 22:59 م
مما لا شك فيه أن الواقع المصري يحتاج إلى أكثر من ثورة،ربما يحتاج إلى معجزة كبرى كي يحدث التغيير المنشود هناك، وذلك على كافة الصعد وفي مختلف المجالات. فالواقع الإقتصادي كنتيجة للواقع السياسي ليس بأقل صعوبة من هذا الواقع إياه، ومن الطبيعي أن يكون الواقع الإجتماعي مرءاة للوضعين المذكورين.إلا أن تغيير الواقع السياسي المتمثل بوجود نظام مستبد متسلط على مقدرات البلاد ومتحكم بمصائر العباد دون أي رقيب أو حسيب وذلك بسبب استنساخ الحكم القائم لمعارضات تشبهه ولمؤسسات دستورية وقضائية تدور في فلكه وتضمن وتشرع استمراره،إن تغيير هكذا واقع هو لا شك أساسي وضروري ومستعجل أيضا.إن الضرورة التغيير السياسي وحتميته إنما تنطلق من ارتباط الواقع الإستبدادي الراهن بأولى القيم الإنسانية وأكثرها تأثيرا في حركة الوعي الإنساني وفي حركة التفاعل البشري ضمن المنظومة الإجتماعية والتي هي الحرية. لقد أفقد القمع والإستبداد وسياسة كم الأفواه التي يعتمدها النظام المصري وغيره من الأنظمة القمعية، أفقد المواطن إحساسه بنفسه كإنسان بالدرجة الأولى وكمواطن تاليا ،وجعل منه آلة دائبة العمل والحراك لسد احتياجات أولية كالمسكن والغذاء، كما جعل باقي القيم المحض بشرية كالحرية الشخصية والسياسية وما تتضمنانه من حقوق ترتقي بالإنسان في نفسه ومجتمعه وتدفعه إلى خوض غمار الجد والنضال نحو الكمال بوصفه غاية الرقي ومنتهى التطور البشري.
في مصر كما تونس كما معظم الدول العربية والأفريقية وحتى الأميركية وتلك المترامية في أطراف آسيا، يتواءم القمع مع الفقر وينتجان ويحميان بعضهما البعض . فإلى جانب الحصار البوليسي الذي عانى منه المصريون لم يكن الوضع الإجتماعي في بلد الثمانين مليون نسمة بأفضل حال، حتى صارت لقمة عيش المواطن هي شغله الشاغل وبات الحديث في السياسة كابوسا يرافق المواطن المتلفت إلى جانبيه، بل إلى جوانبه خشية غدر العسس والمخبرين.. فمن الظلم أن يظن البعض بأن الشعب المصري الشقيق ضعيف التحسس بكرامته أو حديث العهد بالديمقراطية ولا يعرف معنى الحرية، لكن فكي كماشة النظام المتمثلين بالقمع والفقر حالا دون وجود حركة نضال مصرية تعادل حجم مصر وتتناسب مع طاقات مصر الفكرية والأدبية والسياسية الهائلة .
من هنا وبناء على العرض الموجز للواقع المصري الراهن نرى أهمية وصعوبة التحدي الذي يواجه المصريين اليوم. فبالإضافة إلى تغيير النظام الحالي بأشخاصه ومؤسساته الدستورية المجيرة لصالح الأشخاص إياهم، تبرز مهمة النهوض بالمواطن المصري بل بالواقع المصري بمكوناته كافة والعبور به إلى مستوى يخوله من الناحية الإقتصادية أولا ثم من الناحية السياسية ،يخوله الولوج إلى تحقيق ذاته الشخصية والوطنية في آن كمدخل للوصول إلى تغيير جذري في مفهوم علاقة السلطة بالمواطن وعلاقة المواطن بالدولة بالإضافة إلى الحقوق والواجبات التي تفرضها وتبلورها هذه العلاقة.
قد يكون الحد من الفساد جزءا من الحل، لكن عمق الأزمة المصرية من مختلف جوانبها لا يجعلها من السطحية لأن يقال بأن التغيير في السلطة سوف يعيد للمواطن المصري حقوقه ويرفع من دخله ومستوى عيشه وبالتالي مستوى تفكيره وفي نهاية المطاف إنتاجيته. إن التغيير المرتقب لن يكون إلا حجرا أولا ورئيسيا في مسيرة طويلة بعد ثلاثة عقود من تسخير الدولة والنظام والشعب لخدمة مصالح طغمة فاسدة مجرمة. فالدستور مقنن ومركب لخدمة تلك الطغمة وكذلك الإقتصاد العام بمؤسساته و مكوناته بالإضافة إلى المؤسسة الأمنية التي كرست لحماية النظام وضمان استمراريته.
كما لا يمكننا التقليل من فداحة الغبن الذي عاشه السعب المصري الذي خاض معارك وثورات داخلية تصحيحية ومعارك خارجية ضد العدو الإسرائيلي. فالمواطن المصري الذي اضطر للسكوت عن معاهدة كامب دايفيد وتداعياتها النفسية والسياسية والإقتصادية على المجتمع المصري، يجد نفسه اليوم تواقا لاستعادة ذاته القومية ولاستعادة الدور المحوري لمصر ضمن المنظومة العربية من جهة وفي ميزان القوى في الصراع الوجودي بين العرب وإسرائيل. إن نزوع الشعب المصري إلى هذا الدور يعني الإستعداد من جديد لمواجهة إسرائيل والولايات المتحدة (بمعوناتها وقمحها) الأمر الذي يستلزم وجود أرضية شعبية وقانونية وبالتالي حكومية للإضطلاع بالدور المنشود.
في الختام نأمل أن يعي الشباب المصري وعقلاء الثورة حجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم ، فتغيير النظام سوف يغدو بعد حدوثه أسهل المهمات وأقلها خطورة، فالإستقرار على المحك والتحرك الإستراتيجي والموقف الرؤيوي هو الضمانة للإستمرار ..
الثابت الوحيد في هذه الحركة البريئة والعفوية الصادقة هو أن الحرية لا شك ستؤدي إلى الإبداع إنشاء الله لكنها ستزيد المسؤولية حتما ..
مع الدعاء بالتوفيق لكل طالبي الحرية من تونس ومصر إلى لبنان المقموع بالديمقراطية إلى سائر العالم..
سامي الجواد